فصل: قال ابن كثير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

أم الإنسان من الرضاع هي التي أرضعته، وكذلك كل امرأة انتسبت إلى تلك المرضعة بالأمومة، إما من جهة النسب أو من جهة الرضاع، والحال في الأب كما في الأم، وإذا عرفت الأم والأب فقد عرفت البنت أيضا بذلك الطريق، وأما الأخوات فثلاثة: الأولى أختك لأبيك وأمك، وهي الصغيرة الأجنبية التي أرضعتها أمك بلبن أبيك، سواء أرضعتها معك أو مع ولد قبلك أو بعدك، والثانية أختك لأبيك دون أمك، وهي التي أرضعتها زوجة أبيك بلبن أبيك، والثالثة أختك لأمك دون أبيك، وهي التي أرضعتها أمك بلبن رجل آخر، وإذا عرفت ذلك سهل عليك معرفة العمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت. اهـ.
قال الفخر:
قال الشافعي رحمة الله عليه: الرضاع يحرم بشرط أن يكون خمس رضعات، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: الرضعة الواحدة كافية، وقد مرت هذه المسألة في سورة البقرة، واحتج أبو بكر الرازي بهذه الآية فقال: إنه تعالى علق هذا الاسم يعني الأمومة والأخوة بفعل الرضاع، فحيث حصل هذا الفعل وجب أن يترتب عليه الحكم، ثم سأل نفسه فقال: إن قوله تعالى: {وأمهاتكم الْلاَّتِى أَرْضَعْنَكُمْ} بمنزلة قول القائل: وأمهاتكم اللاتي أعطينكم، وأمهاتكم اللاتي كسونكم، وهذا يقتضي تقدم حصول صفة الأمومة والأختية على فعل الرضاع، بل لو أنه تعالى قال: اللاتي أرضعنكم هن أمهاتكم لكان مقصودكم حاصلا.
وأجاب عنه بأن قال: الرضاع هو الذي يكسوها سمة الأمومة، فلما كان الاسم مستحقا بوجود الرضاع كان الحكم معلقا به، بخلاف قوله وأمهاتكم اللاتي كسونكم، لأن اسم الأمومة غير مستفاد من الكسوة، قال ويدل على أن ذلك مفهوم من هذه الآية ما روي أنه جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: قال ابن الزبير: لا بأس بالرضعة ولا بالرضعتين، فقال ابن عمر: قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير، قال الله تعالى: {وأخواتكم مّنَ الرضاعة} قال: فعقل ابن عمر من ظاهر اللفظ التحريم بالرضاع القليل.
واعلم أن هذا الجواب ركيك جدًا، أما قوله: إن اسم الأمومة إنما جاء من فعل الرضاع فنقول: وهل النزاع الا فيه، فإن عندي أن اسم الأمومة إنما جاء من الرضاع خمس مرات، وعندك إنما جاء من أصل الرضاع، وأنت إنما تمسكت بهذه الآية لاثبات هذا الأصل، فإذا أثبت التمسك بهذه الآية على هذا الأصل كنت قد أثبت الدليل بالمدلول وإنه دور وساقط، وأما التمسك بأن ابن عمر فهم من الآية حصول التحريم بمجرد فعل الرضاع، فهو معارض بما أن ابن الزبير ما فهمه منه، وكان كل واحد منهما من فقهاء الصحابة ومن العلماء بلسان العرب، فكيف جعل فهم أحدهما حجة ولم يجعل فهم الآخر حجة على قول خصمه.
ولولا التعصب الشديد المعمي للقلب لما خفي ضعف هذه الكلمات، ثم ان أبا بكر الرازي أخد يتمسك في إثبات مذهبه بالأحاديث والأقيسة، ومن تكلم في أحكام القرآن وجب أن لا يذكر إلا ما يستنبطه من الآية، فأما ما سوى ذلك فإنما يليق بكتب الفقه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} استدل به مَن نفى لبن الفحل، وهو سعيد ابن المسيب وإبراهيم النخعِيّ وأبو سلمة بن عبد الرّحمن، وقالوا: لبن الفحل لا يحرّم شيئًا من قبل الرجل.
وقال الجمهور: قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} يدل على أن الفحل أب؛ لأن اللبن منسوب إليه فإنه درّ بسبب ولده.
وهذا ضعيف؛ فإن الولد خلق من ماء الرجل والمرأة جميعًا، واللبن من المرأة ولم يخرج من الرجل، وما كان من الرجل إلاَّ وطء هو سبب لنزول الماء منه، وإذا فصل الولد خلق الله اللبن من غير أن يكون مضافًا إلى الرجل بوجه ما؛ ولذلك لم يكن للرجل حق في اللبن، وإنما اللبن لها، فلا يمكن أخذ ذلك من القياس على الماء.
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» يقتضي التحريم من الرضاع، ولا يظهر وجه نسبة الرضاع إلى الرجل مثل ظهور نسبة الماء إليه والرضاع منها.
نعم، الأصل فيه حديث الزهرِيّ وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن أفْلَحَ أخا القُعَيس جاء يستأذن عليها، وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب.
قالت: فأبيت أن آذن له: فلما جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبرته فقال: «لِيلج عليكِ فإنه عمك تربت يمينك» وكان أبو القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة رضي الله عنها؛ وهذا أيضًا خبر واحد.
ويحتمل أن يكون أفلح مع أبي بكر رضيعي لِبانٍ فلذلك قال «ليلج عليك فإنه عمك» وبالجملة فالقول فيه مشكِل والعلم عند الله، ولكن العمل عليه، والاحتياط في التحريم أولى، مع أن قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] يقوّي قول المخالِف. اهـ.

.قال الفخر:

يدخل في هذه الآية الأمهات الأصلية وجميع جداتها من قبل الأب والأم كما بينا مثله في النسب. اهـ.
قال الفخر:
مذهب الأكثرين من الصحابة والتابعين أن من تزوج بامرأة حرمت عليه أمها سواء دخل بها أو لم يدخل، وزعم جمع من الصحابة أن أم المرأة إنما تحرم بالدخول بالبنت كما أن الربيبة إنما تحرم بالدخول بأمها، وهو قول علي وزيد وابن عمر وابن الزبير وجابر، وأظهر الروايات عن ابن عباس، وحجتهم أنه تعالى ذكر حكمين وهو قوله: {وأمهات نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتى في حُجُورِكُمْ} ثم ذكر شرطا وهو قوله: {مّن نِّسَائِكُمُ اللاتى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} فوجب أن يكون ذلك الشرط معتبرا في الجملتين معا، وحجة القول الأول أن قوله تعالى: {وأمهات نِسَائِكُمْ} جملة مستقلة بنفسها ولم يدل الدليل على عود ذلك الشرط إليه، فوجب القول ببقائه على عمومه، وإنما قلنا إن هذا الشرط غير عائد لوجوه: الأول: وهو أن الشرط لابد من تعليقه بشيء سبق ذكره فإذا علقناه باحدى الجملتين لم يكن بنا حاجة إلى تعليقه بالجملة الثانية، فكان تعليقه بالجملة الثانية تركا للظاهر من غير دليل، وانه لا يجوز.
الثاني: وهو أن عموم هذه الجملة معلوم، وعود الشرط إليه محتمل، لأنه يجوز أن يكون الشرط مختصًا بالجملة الأخيرة فقط، ويجوز أن يكون عائدا إلى الجملتين معا، والقول بعود هذا الشرط إلى الجملتين ترك لظاهر العموم بمخصص مشكوك، وانه لا يجوز.
الثالث: وهو أن هذا الشرط لو عاد إلى الجملة الأولى، فاما أن يكون مقصورا عليها، وإما أن يكون متعلقا بها وبالجملة الثانية أيضًا، والأول باطل، لأن على هذا التقدير يلزم القول بتحريم الربا ئب مطلقا، وذلك باطل بالإجماع، والثاني باطل أيضا، لأن على هذا التقدير يصير نظم الآية هكذا وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، فيكون المراد بكلمة من هاهنا التمييز ثم يقول: وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، فيكون المراد بكلمة من هاهنا ابتداء الغاية كما يقول: بنات الرسول من خديجة، فيلزم استعمال اللفظ الواحد المشترك في كلا مفهوميه وانه غير جائز، ويمكن أن يجاب عنه فيقال: إن كلمة من للاتصال كقوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة: 71] وقال عليه الصلاة والسلام: «ما أنا من دد ولا الدد مني» ومعنى مطلق الاتصال حاصل في النساء والربائب معا.
الوجه الرابع: في الدلالة على ما قلناه: ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها، دخل بالبنت أو لم يدخل، وإذا تزوج الأم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج البنت» وطعن محمد بن جرير الطبري في صحة هذا الحديث.
وكان عبد الله بن مسعود يفتي بنكاح أم المرأة إذا طلق بنتها قبل المسيس وهو يومئذ بالكوفة، فاتفق أن ذهب إلى المدينة فصادفهم مجمعين على خلاف فتواه، فلما رجع إلى الكوفة لم يدخل داره حتى ذهب إلى ذلك الرجل وقرع عليه الباب وأمره بالنزول عن تلك المرأة.
وروى قتادة عن سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت قال: الرجل إذا طلق امرأته قبل الدخول وأراد أن يتزوج أمها فإن طلقها قبل الدخول تزوج أمها، وإن ماتت لم يتزوج أمها، واعلم أنه إنما فرق بين الموت والطلاق في التحريم، لأن الطلاق قبل الدخول لا يتعلق به شيء من أحكام الدخول، ألا ترى أنه لا يجب عليها عدة، وأما الموت فلما كان في حكم الدخول في باب وجوب العدة، لا جرم جعله الله سببا لهذا التحريم. اهـ.
قال الفخر:
الربائب: جمع رَبيبَة، وهي بنتُ امرأة الرجل من غيره، ومعناها مَرْبوبَة، لأن الرجل هو يربها يقال: ربيت فلانا أربه: وربيته أربيه بمعنى واحد، والحجور جمع حجر، وفيه لغتان قال ابن السِّكِّيْت: حجر الإنسان وحجره بالفتح والكسر، والمراد بقوله: {فِى حُجُورِكُمْ} أي في تربيتكم، يقال: فلان في حجر فلان إذا كان في تربيته، والسبب في هذه الاستعارة أن كل من ربى طفلا أجلسه في حجره، فصار الحجر عبارة عن التربية، كما يقال: فلان في حضانة فلان، وأصله من الحضن الذي هو الإبط، وقال أبو عبيدة: في حجوركم أي في بيوتكم. اهـ.
قال الفخر:
روى مالك بن أوس بن الحدثان عن علي رضي الله عنه أنه قال: الربيبة إذا لم تكن في حجر الزوج وكانت في بلد آخر، ثم فارق الأم بعد الدخول فإنه يجوز له أن يتزوج الربيبة، ونقل أنه رضوان الله عليه احتج على ذلك بأنه تعالى قال: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتى في حُجُورِكُمْ} شرط في كونها ربيبة له، كونها في حجره، فإذا لم تكن في تربيته ولا في حجره فقد فات الشرط، فوجب أن لا تثبت الحرمة، وهذا استدلال حسن.
وأما سائر العلماء فإنهم قالوا: إذا دخل بالمرأة حرمت عليه ابنتها سواء كانت في تربيته أو لم تكن، والدليل عليه قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} علق رفع الجناح بمجرد عدم الدخول، وهذا يقتضي أن المقتضى لحصول الجناح هو مجرد الدخول.
وأما الجواب عن حجة القول الأول فهو أن الأعم الأغلب أن بنت زوجة الإنسان تكون في تربيته، فهذا الكلام على الأعم، لا أن هذا القيد شرط في حصول هذا التحريم. اهـ.

.قال ابن كثير:

وأما قوله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} فجمهور الأئمة على أن الربيبة حرام سواء كانت في حجر الرجل أو لم تكن في حجره، قالوا: وهذا الخطاب خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له كقوله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33].
وفي الصحيحين أن أم حَبيبة قالت: يا رسول الله، انكح أختي بنت أبي سفيان- وفي لفظ لمسلم: عزة بنت أبي سفيان- قال: «أو تحبين ذلك؟» قالت: نعم، لَسْتُ لك بمُخْليَة، وأحب من شاركني في خير أختي. قال: «فإن ذلك لا يَحل لي». قالت: فإنا نُحَدثُ أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة. قال بنْتَ أم سلمة؟ قالت نعم. قال: «إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حَلَّتْ لي، إنها لبنت أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثُوَيْبَة فلا تَعْرضْن علي بناتكن ولا أخواتكن». وفي رواية للبخاري: «إني لو لم أتزوج أم سلمة ما حلت لي». فجعل المناط في التحريم مجرد تزويجه أم سلمة وحكم بالتحريم لذلك، وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وجمهور الخلف والسلف. وقد قيل بأنه لا تحرم الربيبة إلا إذا كانت في حجر الرجل، فإذا لم يكن كذلك فلا تحرم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، أنبأنا هشام- يعني ابن يوسف- عن ابن جريج، حدثني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان قال: كانت عندي امرأة فتوفيت، وقد ولدت لي، فوجِدْت عليها، فلقيني علي بن أبي طالب فقال: مالك؟ فقلت: توفيت المرأة. فقال علي: لها ابنة؟ قلت: نعم، وهي بالطائف. قال: كانت في حجرك؟ قلت: لا هي بالطائف قال: فانكحها. قلت: فأين قول الله عز وجل: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} قال: إنها لم تكن في حجْرك، إنما ذلك إذا كانت في حجرك.